مؤتمر ديرب نجم .. تحول إلي "موسم" للأدباء
يقدمها : حزين عمر
جريدة المساء : الأربعاء 18 مايو 2011
ليس من قبيل المصادفة أن يلتقي نخبة من كبار المبدعين والنقاد في ديرب نجم للمرة الحادية عشرة في مؤتمر اليوم الواحد.. أقبلوا إلي هذه المدينة من القاهرة والدقهلية ودمياط والغربية وغيرها..
وكان منهم: فؤاد حجازي ومحمد خليل وعلي حليمة وفرج مجاهد وهالة فهمي ووائل وجدي ومحمد عبدالله الهادي وفكري داود وصبري قنديل ومحمد سليم الدسوقي ود. أيمن تعيلبپد. محمد سالمان ود. شريف الجيار وعبدالسلام فاروق ود. ابراهيم عبدالعزيز ود. أسماء الطناني..
منهم من ألقي بحثاً. ومنهم من أدلي بشهادته حول الثورة وما فجرته من ينابيع الفكر والإبداع لدي الأدباء. ومنهم من شارك بمداخلة. بل ومن حضر مشاهداً ومتابعاً لهذه التجربة الجادة والسباقة. التي يمثلها أول وأهم مؤتمر لليوم الواحد في المحافظات.. وقد أقيمت هذه المظاهرة الثقافية بدعم مباشر من محمد مرعي مدير عام ثقافة الشرقية. وجهود جماعية للأدباء الشراقوة: مجدي جعفر ود. نادر عبدالخالق ومحمود الديداموني وأحمد عبده ورضا عطية وعلاء عيسي ومحمد سليم الدسوقي وبدر بدير. ممن اعتادوا أن ينكروا ذواتهم من أجل نجاح هذا الحدث. الذي تولي رئاسته هذه المرة الناقد الأكاديمي د. عبدالرحيم الكردي.
وربما كانت الجهود الجماعية أول عنصر نجاح في ظل امكانات ضعيفة مادياً. وفي ظل غياب مكان رسمي يستظل به الأدباء ويقدمون من خلاله أنشطتهم. فقصر ثقافة ديرب مازال قيد الترميمات منذ سنين. ولذا فقد لجأ الأدباء إلي مقر المجلس المحلي لإقامة مؤتمرهم الذي افتتحه ابراهيم الرفاعي القائم بعمل رئيس إقليم شرق الدلتا الثقافي.. وكان من الملاحظ حضور الكثيرين من المواطنين غير الأدباء. و"صمودهم" لهذه النقاشات الأدبية الجادة علي مدي اليوم عبر عدة جلسات للأبحاث والشهادات والقاء الشعر كذلك.
المؤتمر الذي حمل عنوان: "الأدب بين استشراف الثورة وتساؤلات الكتابة" صدر عنه كتاب يضم من الأبحاث: "المقاومة الشعبية العربية" للدكتور أيمن تعيلب. و"إرهاصات الثورة" للدكتور صابر عبدالدايم. و"الثورة الجديدة والتعبير" للدكتور نادر عبدالخالق أمين عام المؤتمر. و"قصيدة العامية المصرية" للدكتور شريف الجيار. و"نفسي أحلم.. قراءة في ديوان" لرضا عطية. و"استشراف أم التزام أم اقصاء" للدكتور ابراهيم عبدالعزيز. و"الانقطاعات السردية" للدكتور نبيل حمدي. و"بين حداثة البنية ودرامية الصوت اللغوي" لصبري قنديل. و"الحقيقة والخيال.. قراءة في القصة القصيرة" لمحمود الديداموني. مع دراسة كان قد كتبها الراحل الدكتور حسين علي محمد قبل وفاته بعنوان: "قراءة في مونودراما: عودة النوق العصافير".. مع مجموعة من الشهادات من ميدان التحرير لأحمد محمد عبده ود. أحمد يوسف وصلاح معاطي ود. عطيات أبو العينين وعبدالسلام فاروق وعبدالله مهدي وفكري داود ود. محمد سالمان..
قال د. نادر عبدالخالق في كلمته التي تحمل عنوان المؤتمر إن الأدب انشغل منذ قرون بعمليات المد الثوري. ومهد لها حتي بلغت الذروة في العصر الحديث. وخاصة في الثورات العربية التي تواصلت ضد الزحف الاستعماري والمخطط الصهيوني. وضد الفسادپالإداري والاجتماعي. حتي كانت هذه المقولة التي أطلقتها الثورة المصرية مؤخراً. وأصبحت سمة مميزة للثورات الممتدة في الأقطار العربية الآن: "الشعب يريد اسقاط النظام" لأنها تختزل العديد من الطموحات والأفكار والرؤي الاستشرافية المستقبلية. التي يسعي لها الأدب والواقع معاً.
أشار د. أيمن تعيلب إلي أنه تعرض لظلم بيِّن قبل الثورة بعدة أشهر. حين تم استبعاده من العمل أستاذاً بأكاديمية الفنون بناء علي فتوي من مستشار وزير الثقافة. وأرسل "فاكسات" إلي رئيس الجمهورية ــ حينذاك ــ ولم يرد عليه فسافر إلي تركيا للعمل بجامعاتها ومن هناك أرسل مقالة عن "المقاومة الشعبية" إلي مجلة أدب ونقد. لكن حلمي سالم رئيس تحريرها لم ينشر المقالة كل تلك الشهور وفوجئت بنشرها بعد الثورة. وقد تم حذف الكثير من فقراتها ارضاء للنظام البائد!!
ورأي تعيلب أن يعيد نشر العمل كله في كتاب الأبحاث. وكان مما جاء فيه: علي الحكام العرب المستغربين وتابعيهم من المماليك الجدد المستوزرين علينا. أن يتركوا عن طواعية أماكنهم التي ليست لهم. وماكانت لهم في يوم من الأيام. بل اقتنصوها في غفلة الشعب المسكين.. والآن عليهم أن يعيدوا ما سرقوه بحكمة الشيخوخة التي وصلوا إليها!!
وتناول د. شريف الجيار قصائد العامية لعلاء عيسي وعاطف الجندي وفريد طه ونجاة عبدالقادر. ومدي ارتباطهما بالواقع وهموم الشعب. فذكر أن قصيدة علاء "محلك سر" تنطلق الذات الشاعرة فيها من واقع الإنسان المصري الذي يئن تحت وطأة ضياع العدل الاجتماعي.. ويرصد الشاعر المرارة التي تشعر بها الطبقة المتوسطة. في ظل سلطة لا تري إلا نفسها.. لكن المستقبل لم يكن غائباً عن تطلعات علاء في هذه القصيدة.
ويعقد صبري قنديل موازنة أدبية بين انتاج كل من مجدي جعفر وأحمد عبده. فيري أنه يمكن التمييز من أول وهلة بين هذين الصوتين الروائيين.. فعلي الرغم من أنهما ابنان لبيئة واحدة. فإن عناصر اختلاف أخري تميز بين أعمالهما تتمثل في اختلاف الخبرة الثقافية والذاتية.. فمهنة التدريس تمثل بالنسبة لمجدي جعفر مرتكزاً قيمياً يدفعه للتأمل الجدي. بينما كان العمل العسكري لأحمد عبده دافعاً للحسم والصرامة.. فصارت لكل من الكاتبين خاصتين الدافعة لتجدد ثقة الذات والإيمان برسالة الإبداع السردي.
وحول "سداسية الوصول إلي الميدان" لمحمود أحمد علي يقول محمود الديداموني: يقدم محمد أحمد علي ستة مشاهد غاية في الدقة. ترصد رصداً واضحاً عملية الوصول إلي الميدان. وقد قصد أن يمنحنا دلالة إيحائية تجعلنا نفكر في التكوين اللغوي للعنوان. وعن أي ميدان يتحدث. ولماذا سداسية؟! وبالتدقيق نستطيع الربط بين العنوان والفترات الست التي قضاها الرئيس المخلوع في السلطة.. والميدان هو ميدان التحرير.
وربط عبدالله مهدي في شهادته بين النبوءات التي تقدمها الأمثال الشعبية وبين ماكان يشاهدها في ميدان التحرير. ومنها أمثال: "دا حلم واللا علم"؟! و"الرايب مايرجعش حليب".. فالثورة انطلقت ولا رجعة فيها. ولا رجعة للنظام القديم المتهاوي أبداً.