الثقافة والناس : إبداع ما بعد الثورة .. مازال في علم الغيب !! ، / مبدعو السويس يرفضون القوافل الثقافية

 إبداع ما بعد الثورة .. مازال في علم الغيب !! 
يقدمها : حزين عمر
جريدة المساء الأربعاء 25 مايو 2011
ليس شاعراً من لا يتمرد!! وكل من استعصوا علي الفناء. وخلدهم الزمن من الشعراء هم المتمردون علي واقعهم وواقع أممهم وشعوبهم منذ أن عرف الشعر.. ولدينا في الشعر العربي زعيم المتمردين وأمير شعراء الجاهلية: امرؤ القيس  المطرود من قبيلته وأهله "لسوء سلوكه" طبقاً لمفاهيم تلك القبيلة. لأنه  تمرد عليها. وعلي عاداتها ونتج عن هذا التمرد واحدة من أروع عيون الشعر هي معلقته الشهيرة.
والتمرد كان متجسداً كذلك في موجة الشعراء الصعاليك الرافضين لظلم مجتمع الجاهلية ومحاولتهم إقامة مجتمع خاص بهم.. واستمر خيط التمرد ملازماً للإبداع الشعري بعد الإسلام. حتي إن عمر بن أبي ربيعة ظل طوال حياته حريصاً علي الذهاب إلي الكعبة أيام الحج. لا ليطوف بها بل ليتصدي للنساء. ويبدع أحلي قصائده في هذه التجارب!! ثم كانت حركة التمرد الشعري الكبري لعصبة المجان: بشار بن برد ومسلم بن الوليد وديك الجن ووالية بن الحباب وأبي نواس الذين ثاروا علي كل الأعراف والتقاليد. بل والعقيدة كذلك في أزهي عصور الحضارة الإسلامية: العصر العباسي الأول.. وكل الشعراء العباقرة هكذا كانوا متمردين ثائرين: ومنهم المتنبي وأبو العلاء المعري. حتي اقترن اسم أكبر شعراء العصر الحديث. بثورة وطنية كبري. هي الثورة العرابية. وأحد أبطالها محمود سامي البارودي الذي عينته الثورة وزيراً للحربية ثم رئيساً للوزراء. أي الحاكم الفعلي لمصر بعد الخديوى.
هذا المخزون الكامن في الوجدان الوطني. كان زاداً لثورة 25 يناير. وإن بدا خافتاً أو كامناً في اللاشعور. كما يذكر الأدباء في ندوة عقدها نادي أدب كفر شكر وأدارها طارق عمران.. لكن الأثر الواضح لثورية الشعراء وتمردهم ــ الذي يسبق ثورية أي مجتمع غالباً ــ بدأ جلياً في قصائد حافظ ابراهيم التي تغنت بها أم كلثوم وراح الثوار في الميدان يرددونها. وكذلك قصائد أمل دنقل المحفوظة لاعداد كبيرة من شباب الثورة. وقصائد العامية لأحمد فؤاد نجم التي شدا بها الراحل الشيخ إمام. 
أشكال جديدة
الندوة التي شارك فيها سامي سرحان ومحمد الصادق جودة ووحيد أمين وبهجت الدقميري ومحمد كعيب وممدوح بدر وحسن محمد ابراهيم وأيمن غريب وهناء أمين وأمل جمال ومحمود فاروق وحسام عبدالباسط والسيد بيومي عمارة.. توقف المتحدثون فيها عند هذه الظاهرة التي أفرزها الاعتصام الطويل بميدان التحرير. ابتداء من 25 يناير. والتي تمثلت في ابتداع أنواع من التعبير الفني والأدبي عن الواقع الثوري وأحداثه اليومية. ودفع المعتصمين للصمود. وشد آزرهم.. فكان من أشكال هذا التعبير إقامة متحف علي الرصيف من مخلفات واقعة الجمل وبقايا أدواتها من سروج للخيول وغيرها.. وكذلك تأليف وتعليق اعداد لا حصر لها من النكات والكتابات الساخرة مجهولة المؤلف. وأيضاً صك الكثير من الشعارات والهتافات الموزونة والمقفاة.. وكل هذه الأشكال التعبيرية ليس مطلوباً منها أن تحمل قيماً فنية عالية. وليست علي مستوي ابداعي راق. بل  تؤدي غرض التحريض والصمود والنيل من الخصوم أي رموز الفساد ورءوس الخراب الذين يتقدمهم حسني مبارك وأسرته وعصابته.. 
كانت هذه الكتابات وكذلك الحلقات الليلية التي يعقدها الشباب في الميدان لإلقاء الأزجال وبعض طرائق التعبير تؤدي دوراً أيضاً في الترفيه عن المعتصمين بالميدان وهم في رباط علي مدي أيام طوال. وكانوا يعدون أنفسهم لأيام أطول. وبالتالي فلابد من توفير بعض الاعتيادية لهذه الحياة الثورية الخطرة. خاصة حينما تتوقف هجمات البلطجية والمجرمين من أعضاء ما كان يسمي بالحزب الوطني ومن اتباع النظام المخلوع ورجاله الفاسدين!!
اكد المتحدثون في الندوة أن الشعر والإبداع الأدبي بصفة عامة كان أرضية ممهدة للثورة ضمن أسباب أخري كثيرة. أما انتاج الثورة نفسها من الإبداع الأدبي مازال في علم الغيب.. لكن حدثاً بهذه الضخامة والقوة علي مستوي مصر والعالم. يحتاج إلي شهور وسنين وربما عقود لاستيعابه وهضمه والتعبير عنه فنياً بعيداً عن المباشرة والخطابية.. وهذا الزمن ربما أدي إلي انتاج أدبي جديد ومختلف عما هو معروف لنا الآن شكلاً ومضموناً.
زمن الفعل
* قال حسن محمد ابراهيم: لن نستطيع أن نكتب كما كنا نكتب قبل الثورة.. كل شيء قد تغير.. وأصبحنا الآن في زمن الفعل أكثر من الكلام.. وحتي المشكلات المحرضة علي التعبير في الوقت الراهن والقادم أصبحت تختلف عن مشكلات ما قبل الثورة.. كنا من قبل مجبرين علي كل شيء: سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.. وأصبحنا الآن مخيرين في كل شيء.. وهذا سيؤدي إلي اختلاف الكتابة شكلاً ومضموناً.
* أيمن محمد غريب: إذا توقف الأديب عن النبض ساعة الحدث. ومكث طويلاً في وقوفه هذا ليهضم اللحظة ثم يفرزها فهذه كارثة!! فعلية أن يتأثر ويطلق إبداعه في سخونة الأحداث.
* محمد كعيب: هناك واقع واشكاليات أكبر من قدرة القلم علي التعبير.. وحينما أردت أن أكتب عن شهيد الثورة ابن عمي: محمود كعيب وجدت التعبير بالدم أكبر من كل كلمة.. هذا الدم الذي سال في الميدان وفي الشوارع لينبت لنا هذه المساحة من الحرية. فما حدث في  الثورة أكبر من طاقة أي مبدع علي الإبداع.
* حسام عبدالباسط: نحتاج أن ننظر من بعيد. حتي تري جيداً.. والأمر يختلف طبقاً لاختلاف الأجناس الأدبية. ففرصة الشعر الآن مواتية. أما القصة فسوف تخفت وتتراجع. وكذلك يزدهر فن المقال الآن.
* وحيد أمين: لم يكن ما حدث وليد اليوم. بل سبقه كفاح إبداعي طويل. وقد أعادت الثورة اكتشاف المواطن نفسه. ونحتاج إلي إعادة النظر في المنظومة الثقافية بمعناها الواسع. وأولها التعليم.
* محمد الصادق جودة: كان للثورة مقدمات علي المستوي الفكري. أرساها الأدباء.. ومع الموقف القوي والحاسم للشباب في ميدان التحرير. كان للجالسين في بيوتهم دور أيضاً: بالدفاع عنهم ونشر قضيتهم بين الشعب.. ومانراه من مظاهر سلبية الآن يقدم به مفسدون ومخربون لفلول الحزب الذي سقط وتم حله. ويجب ألا يتمكن هؤلاء الفلول من العودة أو استئناف نشاطهم في تخريب الوطن.
* بهجت الدقميري: كل منا كان يحمل الثورة في داخله. ولديه دوافع التمرد التي تنتظر اللحظة.. والأمر يحتاج إلي زمن أطول للتعبير الأدبي عنه. ولن تترجم الثورة إلي طاقة إبداعية فورية.
* سامي سرحان: بين أوساط الأدباء كنا نشهد قبل الثورة روحاً انهزامية دفعت الكثيرين للتسليم بفكرة توريث الحكم!! ولم يعد للأدباء والمثقفين الآن حجة في هذه السلبية والانهزامية. فليس مهمتهم أن يكتبوا شعراً وقصة فقط. بل عليه أن يتحرك داخل المجتمع ويقود حركة الوعي وتأكيد الواقع السياسي الجديد.
* طارق عمران: الثورة كانت حلماً لدي. عبرت عنه فنياً في مسرحية عرضت بأحد قصور الثقافة عام 2000. وكانت سيناريو حقيقياً لكل ما جري بعد ذلك. إلي درجة أنني أحسست بالثورة فيلماً كتبته بنفسي واتفرج عليه الآن.
***********************************************
مبدعو السويس يرفضون القوافل الثقافية 
جريدة المساء الأربعاء 25 مايو 2011
أصدر ائتلاف مبدعي ومثقفي السويس بياناً رفضوا فيه تنظيم وزارة الثقافة قوافل ثقافية إلي مدينتهم. بدون علمهم أو التخطيط معهم.. بل تجاهلتهم هذه القوافل كأن هذه المدينة الباسلة ومفجرة ثورة 25 يناير ــ كما أكدوا ــ تخلو من الأدباء والفنانين والمبدعين بصفة عامة.
قام أعضاء الائتلاف بعمل أنشطة ثقافية بديلة بحديقة الخالدين لمدة يومين. كما نظموا وقفة احتجاجية ضد قوافل الوزارة أمام قصر ثقافة السويس. وطالبوا كلاً من وزير الثقافة ومحافظ  السويس بالتنسيق معهم في حالة تنظيم أي حدث ثقافي من هذا القبيل في المرات القادمة. وإلا فسوف يضطرون لتنظيم اعتصام ضد هذه التصرفات!!